الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الكسب الحلال أهميته - وآثاره
13130 مشاهدة
من أنواع المعاملات المحرمة الربا

عرفنا فى الفصل السابق أهمية الكسب الحلال في جميع المعاملات، وبينا أن المكاسب المحرمة توقع الإنسان في الإثم وعدم إجابة الدعاء وعدم التوفيق؛ لذا كان واجبا على المسلم العاقل التقي أن يبتعد كل البعد عن المعاملات المحرمة والمشتبهة.
ومن المعاملات المحرمة التي جاء القرآن والسنة بحرمتها معاملة الربا، وقد نزلت فيه آيات كثيرة تنص على تحريمه.
فمن الآيات المكية: قوله تعالى في سورة الروم: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ .
ومعنى ذلك أن المرابين إنما يجعلون الأموال في ذمة المدين، ليربو ذلك المال في ذمة المدين، ويربو في أموال الناس، لكنه لا يزكو ولا يكثر ولا ينمو عند الله، بل مآله إلى المحق، ومآله إلى الفشل، ومآله إلى الاضمحلال!!
ومن الآيات المدنية: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران: 130].
ومعنى ذلك أنه إذا كان لإنسان دين عند آخر، فجاء إليه وقال له: أعطني دَيْنِي، فإذا لم يجد مالا قال: أؤخر عليك الدين عاما على أن أزيد فيه، فيزيد في الأجل، ويزيد في المال، فتتضاعف الأموال أضعافا مضاعفة، فإذا استوفاها بعد ذلك فقد أكل الربا أضعافا مضاعفة، وهذا هو المقصود بالربا الجاهلي الذي لا شك في حرمته.
وقد كان اليهود يتعاملون بالربا، وقد عابهم الله بذلك في قوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء: 161]. أي أن الله تعالى قد نهاهم عن أخذ الربا في كتبهم فلم ينتهوا!! فالذين يأكلون الربا من هذه الأمة يكونون سلفا لليهود والجاهليين الذين نزلت فيهم هذه الآيات.
وقد نزلت هذه الآيات في مكة وفي المدينة على فترات، مما يدل على أن الله تعالى نهى المؤمنين عن أكل الربا في كل مناسبة، ومع ذلك بقيت معاملات ربوية بين الناس، وقد نهى الشرع عنها!
وفي آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من آخر ما نزل عليه الآيات التي في سورة البقرة، التي هي تحريم صريح للربا، فقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275].
فمثل لهم الله بهذا المثال القبيح، وهو أنهم إذا بُعثوا يوم القيامة فكأن أحدهم مجنون، كالذي يتخبطه الشيطان من المس وهو الذي يصرعه شيطان الجن، فيقوم أحدهم من القبر، أو يُبعث وهو يُصرع، وكلما قام انصرع وسقط، فلا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس.
وقيل: إنهم يعرفون يوم القيامة بضخامة بطونهم، فتصرعهم تلك البطون، ويسقطون من أجل ما أكلوه، وتلك عقوبة عاجلة قبل الآجلة: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة: 275]. أي: جمعوا بين الأمرين: جمعوا بين استحلال الحرام وأكله! ولا شك أن ذلك الاستحلال كفر! فمن استحل الحرام ولو لم يأكله فإنه كافر!! لأن فعل المعصية يعتبر ذنبا وخطيئة، ولكن أكبر من ذلك وأعظم استحلالها بالفتوى، وإعلان جوازها وأنها حلال، ولا إثم فيها!!
فالذين قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أي: لا فرق بين الربا والبيع، فهذا كسب وهذا كسب، هؤلاء قد أحلوا ما حرم الله، أي أنهم شرّعوا مع الله، فهو تصرف مع الله في الكون، ولا شك أن ذلك كفر.